بقلم إبتسام النيري
20/05/2016
في مجتمع غابت فيه معاني الحب وأصبح للعلاقات منحى آخر يغمره المجهول، مجرد ابتسامات دائبة وسط حقد وضغينة دفينين لكلمات شاحبة نبست بها شفتا قريب عزيز أو صديق مجيب أو حبيب يدعي الحب العجيب في عالم لبث فيه القريب بعيد حتى كاد أن يكون شبه غريب.
لازالت هناك وبالرغم من ندرتها علاقات يحفظها الصدق وتكتنفها ملائكة السلام، علاقات ليس من ورائها مركز شاغر سيتم ملئه، أو قلب جائر سيتم تحطيمه وإنما الهدف من ورائها توطيد العلاقات بأكبر قدر وتجسيد روح التلاحم بعيدا عن أفكار التعتيم وسوداوية القلوب، فقط لغاية تبررها وسيلة أن لباس العفوية، وتغليب روح الفريق تجعل عباءة النفاق وحب الذات تزيد لتضيق؛ فكلما زاد العالم من تبعاتها وضَعَف قُدرة المرء في التفكير والتمعن كلما كان هنالك ذلك الجزء من الحقيقة طاغيا.
أجل فكلماتي هذه نابعة من تجربة عشتها مع أشخاص لم يكن لي حتى فكرة أنني سأراهم في يوم من الأيام ولو حتى في طريقي، فما عساني أن أصل بنفكيري إلى خوضي معهم غمار رحلة كانت بدايتها مزحة لتصير حقيقة عشناها لمدة أربعة أيام متوالية بين أحضان قلعة مكونة، خميس داد س وواحة تودغة.
التاريخ 12 ماي 2016 الساعة الثانية بعد الزوال والمكان جليز أمام إقامة المنار مقر مؤسسة الأطلس الكبير، فمن هنا كانت بداية الرحلة التي تم التخطيط لها بشكل عفوي حيث إنه كانت في البداية مجرد مزحة مع سعيد لزيارة قلعة مكونة وحضور حفل ملكة الجمال، لكنه وأثناء وضع حزام السلامة في سيارة كل من رمزي وجمال أصبحنا نعي جيدا أننا فعلا في الواقع وليس هناك مجال للحلم.
لقد قضت رحلتنا قرابة الست ساعات منطلقة من مراكش جليز مرورا بالتوامة، زرقطن، تيشكا، ورزازات وصولا إلى قلعة مكونة ليكون هناك ذلك الاستقبال الذي لم نكن نتوقعه من طرف عائلة سعيد بالرغم من تأخرنا نظرا للوقفات اللاتي قمن بها في كل من تيشكا و ورزازات.
الرحلة انطلقت بشكل عفوي والاستقبال كان كذلك، وبالرغم من تحضير برنامج بسيط لتسييرها إلا أنه تم الاستغناء عنه بشكل كلي، فلم يعد شغلنا الشاغل هو التعرف على ملكة جمال الورد للدورة الرابعة والخمسون وإنما اكتشاف مجد وحضارة المنطقة التي بقيت شاهدة على رونقها من خلال قصباتها وواحاتها وكذا حقولها، دليلا منها على مدى تنوع الزخم الحضاري المغربي بنفحة عطرية وردية. فحسن الضيافة وجمالية المنطقة وتنوعها الثقافي جعل أفراد الرحلة في أهبة الاستعداد للتنقل تحت أشعة الشمس الطاغية على حقول الورد ذات النفحات الزكية من مكون إلى خميس دادس حيث تم استقبالنا من طرف أسرة جمال، ثم إلى تنغير حيث كانت الدعوة من جمال لاكتشاف ما بين جبال تودغة التي جعلت منها عوامل التعرية ممرا لواديها ليضفى هذا الآخير لمسته السحرية وكأنه طفل في أحضان جبال تودغة الشاهقة، دون أن ننسى الجولة التي تم القيام بها في أكبر استوديو بأفريقيا والمتواجد بورزازات لنجوب دهاليز وأغوار ما نعيش أمام شاشة التلفاز لكن هذه المرة بلمسة حقيقية حيث وقفنا على أعتاب معبد بودا، ومررنا في ردهات الرومانيين وتطلعنا على أسرار الفراعنة بين ماض وحاضر منسوجين من يد فنان، فقد اجتمعت كل الحضارات واقتربت كل الثقافات فقط في مكان واحد ألا وهو مدينة ورزازات لتجلب محبي الفن السابع من كل بقاع العالم لتقديم ما عاشته حضارات سالفة وتقريبه من حاضرنا في قالب من الفرجة والمتعة البهيجين. إلا أن هذا الخيال الممزوج بالواقع صادفه واقع امتزجت فيه عظمة الجنوب الشرقي بلمسة أمازيغية تحكي مجد وأبهة سكان المغرب الأصليين ألا وهي قصبة بن حدو حيث تداخل الفن والمعمار لخلق لوحة فنية صنفت في التراث العالمي.
أجل لقد تم اكتساب الكثير من التجارب و اكتشاف العديد من الأماكن التي لم تكن لنا الفرصة لاكتشافها لولا هذه الرحلة وذلك من حسن الضيافة، الطبيعة الخلابة، عادات وتقاليد المنطقة المتمثلة في اللباس الأصيل المتميز ب ” تاشطاط ” في لونيها الأبيض والأسود، إضافة إلى فلكلور المنطقة وكذا التشبث باللغة الأمازيغية ذات الزخم الثقافي والتاريخي المحض، لكن ما لم ننكره ولن ننكره هو أن التحامنا هذا لم يكن من فراغ وإنما نتيجة اجتماعنا في مؤسسة الأطلس الكبير التي لطالما دعمت ورسخت روح الفريق الذي تعرف عنه الشيء الكثير وتعي بأن الاتحاد والتلاحم هما سببان رئيسيان في نجاح الأمم وليس فقط المجموعات، وأن التنمية المستدامة لا تقتصر على مجال محدد ولا على منطقة معينة وإنما على وطن، على أمة، بل على حضارة برمتها.