– نور الدين البحري : “طُموحات تحملها حبات الكسكس”, El Bashayer.
نورالدين البحري
متطوع بمؤسسة الأطلس الكبير
مراكش
صورة تذكارية تجمع بين أعضاء مؤسسة الأطلس الكبير وتعاونية تامونت نتوريت
على خطى الورشات التكوينية التي يقدمها فريق من فلاح إلى فلاح بمؤسسة الأطلس الكبير لفائدة التعاونيات، تمت دعوتي للانضمام إلى ورشة جديدة لفائدة تعاونية معنونةٍ باسم “تامونت نتوريت”. تم تحديد يوم الخميس لاحتضان هذه الورشة و الذي كان بدوره متألقا بصفاء السماء ومشرقا بضوء الشمس ، الشيء الذي جعله يوماً مثالياً كان لي فيه لقاء مع الأخت “حورية” والأخ “حسن” و زميلتي في التطوع “إيفات” ثم الخبير الإقتصادي “عبد العاطي”. كان سبب لقائنا هذا هو كما سبق الذكر ’ زيارة ميدانية من أجل تقديم ورشة تكوينية لصالح تعاونية “تامونت نتوريت” ’ أملا في المساهمة في استمرار تطورها
بعد لحظات من لقائنا، هَمَّ بنا الأخ حسن بالرحيل عن مدينة مراكش بشكل مؤقت، ولم يمضي على طريقنا سوى ساعة ونصف – إدراكا مني للوقت بشكل مجرد – حتى دخلنا جماعة “مزوضة” التابعة لإقليم “شيشاوة” ’ منعطفين على جوانبها إلى أن توقفنا أمام مقر صغير متواضع لا يليق بما يحمله من منتجات قيّمة و فريدة، لكنه رغم ذلك يبقى دليلا على رغبة شديدة في النجاح من قبل نساء التعاونية . وكما هي عادات المناطق القروية، تم استقبالنا عبر وجوه بشوشة ومبتسمة تعبر عن سعادتها بقدوم الضيوف مرحبين بالدخول واستطلاع المواد التي تنتجها التعاونية التي كان أبرزها منتوج الكسكس المغربي مع بعض الحلويات التقليدية اللذيذة
كوني محبا لوجبة الكسكس، كنت مخدوعا من نفسي بأنني أعلم الكثير عنها، إلا أنني دُهشت من مستوى معارف نساء التعاونية حول هذا المنتج التي لم تبقى رهينة مَدَارِكِهم فحسب، بل خرجت إلى أرض الواقع، وما أعنيه هنا هو قدرتهم على إنتاج 30 نوعا من الكسس أقل ما يقال عنه أنه ذو جودة عالية، مُعَدًا ومُغلفا بعناية وجاهزا للإستهلاك. إنني أعتبر هذا ثورة حقيقية في مجال المواد الغذائية. كيف لا؟ وبإمكانهم صنع الكسكس من حبات اللوز والأرز وغيرها ! على الرغم من أن هذا المكان الصغير الذي تبدع فيه هؤلاء النساء بالكاد يتسع للقيام بعملهن، لكنه يستحيل قطعا أن يتسع لأفكارهن المبدعة و المدهشة
بعد استطلاعنا لتعاونية “تامونت نتوريت” تمت دعوتنا إلى وجبة إفطار مغربية بشاي تفوح منه رائحة الأعشاب العطرية، استمتعنا بها مع دردشة رئيسة التعاونية السيدة “منوش” حول التعاونية ونسائها، دردشة أولية حاول أن يستقي منها السيد “عبد العاطي” مسار الورشة التي سيقدمها فيما بعد
بعد أن فرغت أفواهنا من الطعام والحديث، قمنا وفريقنا بتكوين حلقة حول مائدة المنزل لأجل الإستعداد لتقديم ورشة تكوينية هدفها هو المساهمة في تطوير التعاونية، وقد أصر السيد “عبد العاطي” ألا يكون الوحيد الذي بوسعه الحديث بل أراد مشاركة جميع الحضور وبالخصوص نساء التعاونية . تعدّ هذه الورشة ’ نظرية في المقام الأول والتي ستليها ورشة تطبيقية في اليوم التالي . ما أثار إنتباهي في البداية و بعد انطلاق الورشة هو تنوع اللغات بين الحضور، فقد كانت اللغة الدارجة واللغة الأمازيغية حاضرتان بقوة وكذلك الفرنسية والإنجليزية ، وبالنظر إلى هذا التنوع اللغوي فلابد وأن تكون المعارف متنوعة وملونة بمرجعيات تستقي من كل الثقافات
كان الهدف الأساسي لتلك المقدمة هو تعبير نساء التعاونية عن مشاكلهم وعن أهدافهم وطموحاتهم ، فقد بدا عليهن الخجل في البداية، الشيء الذي أعاقهم نوعا ما في الحديث، لكنه لم يكن سميكا كفاية لردع هؤلاء النساء،فسرعان ما قام الطاقم بكسره عبر الحديث معهن باللغة الأمازيغية، الأمر أشعرهم برغبة يوَدُّون من خلالها التعبير عن ما يخالج خاطرهن، فكانت المفاجأة بأن حلقت الكلمات والأماني وسط الورشة،وفتحت الأفواه بأصوات طموحة رسمت معالم رغبات تأمل في تحقيقها. كان هذه الطموحات هو امتلاك مقر خاص بالتعاونية، مع العلم أن عدم توفرهن عليه لم يكن له دور في إحباط عزيمتهن ، لكنه يظل من بين الأولويات التي يمكنها أن تُطوّر من التعاونية
من بين ما أثار انتباهي أيضا في نساء هذه التعاونية هو تضامنهن واتحادهن عبر تقسيم عادل للعمل، مع الإعتراف بعمل كل فرد في المجموعة، لينتقل هذا التضامن والتأزر إلى مستوى أعلى وهو دعم النساء لتعاونيتهن بأدوات منزلية خاصة عند الحاجة إليها، كما أن حبهن وشغفهن بالعمل جعل من العطلة الأسبوعية أمرا مملا وضجِرًا بفضل إعتيادهن على العمل والإنتاجية
بالإضافة لكل هذا يحضر بشكل لافت عنصر الشباب في التعاونية، فتيات تخلَّين عن دراستهن قهرا لظروف مختلفة، لكن هِمّتهن أصرت التعويض من خلال إعطاء نفس شاب له أهمية قصوى في تطوير التعاونية، وهذا ما أقرّته السيدة “منوش” في كونهن يساهمن بأفكار جديدة يافعة، وارتباطهن بالعالم الإفتراضي كونه سوقا واسعة يُمَكنهن من ترويج منتجاتهن على نطاق واسع، وهو الأمر الذي سيركز عليه السيد “عبد العاطي” في ورشته التطبيقية لليوم التالي
يمكن اعتبار “تامونت نتوريت” إسما ينطبق كواقعٍ على أعضاء التعاونية ، كونه مثالا للتعاون والتآزر، تكوّنت من خلاله أيادي خبيرةٍ إتّحدت لتكوِّن قبضةً صلبةً تواجه تحديات الحياة، مدافعة عن مسعاها وتحقيقا لذاتها. “تامونت نتوريت” تجسدت صورتها على أرض الواقع ولم تكن فقط إسماً مقيدا وسط لوحة إشهارية بل حرا يخطو بكل فخر في سماء “مزوضة”