بقلم: يوسف بن مئير
كيف يبدو الأمر عندما يؤدي النهج المحلي لتحقيق مشاريع التنمية المستدامة ليس فقط إلى الكيفية التي نحكم بها، ولكن أيضا ً إلى تنفيذه إستراتيجيّا ً من قبل مرشحين لمساعدتهم للقيام بحملات إنتخابية وضمان منصب مُنتخب لهم ؟
أولا، دعونا نتأمل أية عمليّات تعتبر أكثر فعّالية في الدّفع بمبادرات المجتمع المحلّي التي تلبي الإحتياجات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة. فمن هذا المنطلق بإمكاننا أن نرى كيف أنّ إجراءات وتدابير التنمية التشاركية تترجم إلى حركات سياسيّة ذات قاعدة عريضة.
مشاركة الجمهور في البرامج المجتمعية والمشاريع هي العامل الذي يحدد عما إذا كانت التدخلات التنمويّة تحقق تماما ً أهدافها أم لا. فالإستدامة تتطلّب الرقابة المحليّة في تحديد الأولويات، أي فيما يتعلّق بالتعليم والصحة أو الإقتصاد وكذلك في إدارة وتقييم المشاريع التنمويّة.
وفي تيسير الحوار الشامل والتخطيط، توفر التنمية التشاركية أساسا لعلاقات مؤسسية ولتشاركيات متعددة القطاعات تشكل لتحقيق الأهداف المشتركة. الأهم من ذلك، يتم تحديد هذه المشاريع من قبل الشعب (وصولا الى ميزانياتها) في المدن والبلدات الريفية والصغيرة، وتهدف إلى تحقيق مصالحها الفردية و المشتركة.
والفائدة من هذه العملية التي يمكن تسخيرها بشكل ٍ خاصّ في السياسة الانتخابية هي هذه: تولّد المشاريع التي يوجهها المجتمع الثقة بين المستفيدين من ناحية، وبينهم وبين الأفراد والجهات التي ساعدت في تحويل أفكارهم التي عبّروا عنها إلى ظروف حياتية أفضل من ناحية أخرى. إن حسن النية والإلتزامات والتعهدات هذه تعتبر رأس المال الاجتماعي الذي بإمكانه أن يطلق العمل السياسي والمرشحين.
التحدي الرهيب، على أية حال، هو أن تنظم عبر مساحات جغرافية هذه المناقشات المفتوحة والمحلية فيما يتعلق باحتياجات المجتمع، وتنفيذ الحلول. ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر طاقة هائلة من جانب مرشح سياسي مخلص ومتفان ٍ. ويتطلب ذلك مجتمعات تدعو للمشاركة ومستعدة للاستماع إلى وتبادل الأفكار المختلفة. ولتحفيز العمل التشاركي، يتطلب الأمر وجود ميسرين محليين ومتدربين على التخطيط المجتمعي.
كيف سيطبّق هذا في حملة سياسية ؟ أولا، قد ينظّم حزب سياسي أو مرشح سلسلة من الاجتماعات التي تنطوي على السكان المحليين لتقدير احتياجاتهم وتحديد أولويات المشاكل والفرص المتاحة لهم، وتنفيذ خطط عملهم. والقيام بالحملات السياسية سيكون بعد عملية قيام سكان منطقة معيّنة بالإلتقاء معا ً للمناقشة والجدال والمصالحة وتحقيق توافق في الآراء، والشروع في مسار التنمية إلى الأمام لتلبية احتياجاتهم الإنسانية.
وفي الجوهر، فإن برنامج مرشّح لأحد المناصب العامة يصبح المادة الحقيقية لسياسات من أسفل إلى أعلى والتغيير وهذه تجسد مشاريع تنمية الناس أنفسهم. ومرشح قادر على تحفيز التفاعل التشاركي عبر البلدية أو الدولة لا يكون فقط في وضع ممتاز للحكم في حال انتخابه، ولكن من المرجح أيضا ً أن يتم انتخاب هذا المرشح لأن البرنامج هو نتيجة مباشرة لما وضعه الناس من أولويات لأنفسهم ومجتمعاتهم.
سيقوم المرشحون وحملاتهم بتشكيل روابط تعاونية في عملية مساعدة المجتمعات المحلية في استنباط البيانات المستمدة من المناقشة المحليّة بحيث أنهم قد يقررون بعد ذلك ويتصرفون على الفور بالشيء الذي يريدونه أكثر. وهذا يؤدي أيضا إلى قيام المرشحين باكتساب خبرة عميقة وواسعة وتبصر في قضايا الشعب وأداء البرامج الاجتماعية القائمة.
وبالفعل، فإن القيام بحملات بهذه الطريقة في حد ذاتها تمكّن الناس من الحصول على فهم واضح لهذا النوع من الحكم الديمقراطي الذي يكرس المرشح نفسه له. والوعد لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة تنظيم العمالة المستغنى عنها وتحسين مدارسنا وشفاء الإدمان على المخدرات لن يكون مجرد كلمات، ولكن التزام يكون قد برز من التدريب العملي فيما يتعلّق بكيفية تحسين المجتمع فعلا والدور الحاسم الذي يلعبه التمكين المحلي في مثل هذه العملية.
في الواقع، الترشح لمنصب منتخب بطريقة تشرحها مفاهيم التنمية التشاركية والاستدامة هو اقتراح لا خسارة منه. وستكون نتائج الحملة نفسها كثيرة جدا ً وقابلة للحياة، ويمكن أن تخدم في نهاية المطاف كمقترحات أساسية للمشاريع المحلية التي يمكن أن تصبح بعد ذلك مشروع قانون من القوانين يقدّم لبرلمان الولاية، أو لمؤتمر وطني أو للبرلمان. فلا يهمّ كان هناك ربحا أو خسارة، الجيّد سيُنفّذ – ولن تذهب الحملة سدى ً بالنظر لهذا الإنجاز الملموس.
وبمقارنة هذه الاستراتيجية السياسية بالحزبين المهيمنين في الولايات المتحدة، فإنها تتوافق مع المثل العليا الأساسية لكلا البرنامجين الديمقراطي والجمهوري. فعندما يقوم الشعب بالمشاركة في المبادرات الاجتماعية التي تؤثر على حياتهم ذاتها والتحكم فيها، فإنه تعبير صحيح عن الفيدرالية أو تمكين الولاية . وهو يشجع نظام لا مركزي لتصريف الأعمال ويضاهي مستويات صنع القرار على مستوى البلديات والمقاطعات أو الولايات ، ويبني القدرات المحلية لإحداث التغيير الذي تنشده الشعوب. إن إيجاد أو توليد السيطرة المحلية عند تأسيسها وحتى اليوم قيمة أساسية من قيم الحزب الجمهوري.
قد يجد الحزب الديمقراطي هويته مجسدة في هذه الاستراتيجية بسبب طبيعته الشاملة التي تحتضن الشباب والشيوخ، النساء والرجال، المهمشين والمعوقين، ومن لا شأن لهم، بل وكل شخص يلتزم بمنطقة معيّنة. وعلاوة على ذلك، فإن هذا النهج يعترف أصلا بأن الفقر والتعليم والرعاية الصحيّة وغيرها ليست ناتجة في الغالب عن طريق الناس الذين يتحملون هذه التجارب. بل بالأحرى المشاكل الاجتماعية التي تتأثر بها حياتنا متجذرة في مسائل التاريخ والجغرافيا وقرارات الأجيال السابقة، قرارات أتخذت في أماكن بعيدة، معاملتنا للجنسين والعرق وظروف الولادة، والخدمات الإنسانية الغير ملائمة.
بالفعل، السياسات البديلة التي تقودها أو تدفعها إلى الأمام مبادئ الاستدامة تلبي وجهات نظر كل من اليسار واليمين. وهي لا تضر الفرد من أجل المجتمع، والعكس بالعكس، وإنما تعزز في نفس الوقت كليهما. التجديد التشاركي يقلل من الفصل بين الحملات الانتخابية والحكم، أي طريق العملية الانتخابية التي هي سلسلة من الإجراءات المجتمعيّة التي قد تتكشف إذا كان المرشح أو الحزب في موقع الحكم.
ومن أهمّ الأمور الأساسيّة هي أنّ الناس بحاجة إلى أن تُسمع، فالاحتياجات وخيمة، والطبقات داخل المجتمع نفسه وبين المجتمعات مثيرة للقلق، ووعود الحملات الإنتخابية غالبا ً ما تكون جوفاء، ولكن عندما يصبح مشروع قانون لتمويل مشاريع للشعب هو نتيجة بعض الحملات الانتخابية نفسها، عندها لا تكون هناك كلمات ضرورية لقبول ذلك بالثقة والإيمان. ولكن في الواقع، الإجراءات التي تشكل حملة للمناصب العامة تصبح أقلّ تميّزا ً من تلك التي تميز الحكم بعد النصر. الدكتور يوسف بن مئير أستاذ علم الاجتماع ورئيس المنظمة الغير ربحية، مؤسسة الأطلس الكبير.