بقلم عبد اللطيف البناني
ضيف شرف مع مؤسسة الاطلس الكبير يوم 21 يناير2019
الواحد والعشرون من يناير كانون الثاني صار يوما مشهودا في المغرب عامة ومؤسسة الأطلس الكبير بصفة خاصة، إنه اليوم الوطني للتشجير الذي يتصادف مع موسم غرس الأشجار شعارهم في ذلك “ازرع شجرة تنشر الحياة والأمل، ازرع شجرة تحافظ على حياة أبنائك وأحفادك والأجيال القادمة”.
سعيد وكغيره من أعضاء المؤسسة خلد هذا اليوم بنشاط ميداني قاده إلى “دوار أولاد أملول” أحد الدواوير المغمورة على بعد خمسة وعشرين كيلومترا من مدينة سيدي بوعثمان رفقة صديقه المتطوع يوسف وأخيه عبد اللطيف الذي تطوع بحكم معرفته لبعض سكان المنطقة. كانت الانطلاقة من سيدي بوعثمان من الساعة الثانية عشرة ظهرا بعد أن حددوا مكان اللقاء قرب مقر جماعة “أولاد أملول”. في الطريق تطالعك مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة تنتظر بشغف كبير غيث السماء لإنقاذه من الاصفرار الذي بدأ ينشر جنوده فأصحابها من صغار الفلاحين يعتمدون في الغالب على مياه الأمطار لزراعة أراضيهم، لكن ثلة من الفلاحين فقدت الأمل في أن تجود السماء على حبوب القمح التي نثروها بعد أن استبشروا خيرا بالأمطار المبكرة التي سقت البلاد والعباد في شهر أكتوبر، فأطلقوا قطعان ماشيتهم لرعي ما زرعوه قبل أن يصير حطاما. كانت علامات الحسرة بادية على سعيد ورفيقيه بسبب هذا المشهد المأساوي الذي يخفي وراءه قصصا كثيرة من الأمل والألم تحدثك بها نظرات الفلاحين.
وصلنا إلى المكان الموعود واستقبلنا ياسين ربيع عضو مؤسس في تعاونية “سلام للمواشي” بالدوار، واتفق معه سعيد على البرنامج التشجيري الذي سيشمل بعض الفلاحين الصغار والمركز الصحي والمقبرة بعد أن أكد لنا أن المدرسة الابتدائية مشجرة بشكل كامل. العملية الأولى كانت في ضيعة صغيرة لفلاح اسمه “العوني كباب” الرجل الذي خُلق ليبتسم، من كبار معمري المنطقة، بياض شعر رأسه ولحيته الخفيفة تعطيه صورة جبل شامخ تكسوه الثلوج، نعم إنه جبل شامخ لأنه يرفض الاستسلام للهرم والشيخوخة ويقبل على الحياة بشكل كبير قل نظيره حتى عند شباب اليوم، لا زال يزرع الأرض ويغرس الأشجار حتى تمده جذورها بالحياة عندما ينتقل إلى مثواه الأخير، وتمده ثمارها بالرحمات من بشر وطير سيستفيدون منها عندما تثمر، غرسنا في ضيعته خمس مغروسات من الرمان واثنتين من اللوز وواحدة من “العطرشة”.
بعد ذلك كانت الوجهة بستان فلاح آخر اسمه عبد العزيز ربيع الذي استفاد من ثلاث مغروسات من الرمان واثنتين من اللوز، والجميل في الأمر أننا وجدنا أبناءه الصغار في بستانه، ولاقى ذلك استحسان سعيد الذي أصر على أن يغرس أحد الأبناء المسمى “أشرف” شجرة وطلب منه أن يعتني بها حتى تنمو وتكبر وتمنحه الثمار. وهكذا كان الأمر مع بقية الفلاحين الذين استفادوا من العملية.
وكان للعنصر النسوي حضور في ذلك اليوم المشهود حيث غرسنا بعض مغروسات الرمان والتين في بستان إحدى نساء الدوار التي استحسنت الأمر وسرت كثيرا بالمبادرة لكنها لم تشاركنا العملية نظرا لاستحيائها وهذا طبع نساء الدوار المكافحات. واكتفت بمراقبتنا من بعيد بمعية بعض جاراتها.
ختمنا النشاط في مقبرة الدوار التي غرسنا فيها بمعية بعض شباب المنطقة وأطفالها بعض الشجيرات الغابوية 21 سيبرية. حيث تحمس الجميع لذلك وأقبل الأطفال على العملية بحماس كبير واستغل سعيد الفرصة لشرح بعض فوائد الأشجار للأطفال الصغار ليترعرعوا على حب الطبيعة وحب الشجرة وحب الحياة والسلام.
لقد كان يوما حماسيا بالفعل استفدنا وأفدنا ما بوسعنا، حضرته جميع الفئات (الشيوخ والشباب والأطفال والنساء) ومن جميل الصدف أننا بدأناه بفئة الشيوخ مع “با العوني” في ضيعته الصغيرة، كدليل على أن الإنسان متشبت بالأرض دائما ولم يفرط فيها رغم قساوة الظروف والهرم الذي تسرب إلى كل أعضاء جسده إلا ذاكرته الحادة، وهذا ما منحنا المزيد من الحيوية والعزم على مواصلة حمل مشعل التشجير ونسلمه للأجيال القادمة حتى تصير ثقافة التشجير والمحافظة على البيئة من أولويات حياتنا اليومية.
و أخيرا شكرا جزيلا لمؤسسة الاطلس الكبير التي بدلت مجهودا و لم تنتظر عطاءا و جميع شركائها على راسهم OES وECOSIA