English Version
بقلم :حورية شوهب
“مسؤولة ميدانية / فريق “من فلاح إلى فلاح
متدربة في مجال التمكين
أعضاء تعاونية المصلى خلال مشاركتهم في أحد تمارين الورشة
مصدر الصورة: عضو فريق “من فلاح إلى فلاح” التابع لجمعية الأطلس الكبير
في الاجتماع الأسبوعي لفريق “من فلاح إلى فلاح” التابع لمؤسسة الأطلس الكبير، أخبرتني إحدى زميلاتي عن ورشة عمل “تخيل” لتمكين المرأة التي ستجرى لفائدة أعضاء تعاونية ”المصلى” بإقليم الحسيمة، ودعتني إلى تسيير مشترك للورشة . وبهذا فسيكون تسييري لهذه الورشة هو الثاني من نوعه خلال التدريب الذي ينظمه المعهد الأمريكي للتمكين، في إطار برنامج التمكين الذاتي للمرأة، والذي سأتوج من خلاله في شهر أبريل القادم ، وسيخولني هذا التتويج من القيام بورشات تكوينية لفائدة النساء في جميع أنحاء البلاد، وخاصة تلك التي تعشن في المناطق الريفية، و اللاتي لا تُسمع أصواتهن في كثير من الأحيان. كنت سعيدة جدًا للانضمام إلى ورشة العمل هذه وكنت أتطلع إلى مقابلة جميع النساء الرائعات هناك. أكثر ما أحبه في ورش التمكين الذاتي للمرأة هو إشراك النساء للتعبير عن أنفسهن، وكذا التمارين الممتعة التي يتعرفن من خلالها على أنفسهن وبعضهن البعض بشكل أفضل وبالتالي الكثير من الطاقة الإيجابية في هذه الأحداث
بُرمجت الورشة في الأسبوع الثاني من شهر فبراير، وحين وصولنا إلى المكان المنشود، تم الترحيب بنا بحفاوة من طرف أعضاء التعاونية. جلسنا مع النساء وبدأت رئيسة التعاونية في طرح مجموعة من الأسئلة علينا مفادها كيف تم التعرف على التعاونية، ثم شرحن لنا أن قريتهن عادة ما تُسمى بالقرية المنسية حيث لم تقم بزيارتهن أي منظمة غير حكومية أو جمعية أخرى من قبل ولهذا فقد كانت كل النساء متحمسات لمعرفة المزيد عن ورشة التمكين هاته
لقد حضرتُ العديد من ورشات التمكين مع فريق مؤسسة الأطلس الكبير، وكانت جميعها فريدة من نوعها بطريقتها الخاصة، وقد علمتني جميعها شيئًا جديدًا حول تمكين المرأة، لكن ورشة العمل هذه تميزت عن جميع تجاربي السابقة
افتتحت الورشة بكلمة من طرف رئيسة التعاونية وكان مفادها: ”لقد حضرت إلى ورشات تكوينية في العديد من المدن و سافرت عبر البلاد للقاء رئيسات تعاونيات نسائية أخرى وقد كنّ يتحدثن دائمًا عن أهمية التكوينات من أجل تطوير التعاونيات بشكل مستدام. تمنيتُ أن تتاح الفرصة لأعضاء هذه التعاونية لحضور بعض من هاته الورشات ، لكن للأسف لا يمكننا تحمل مصاريف السفر، ولذلك فعندما اتصلتم بنا لتنظيم ورشة التمكين في قريتنا لم أتردد ثانية في قبول عرضكم. أخبرتُ النساء الأخريات عن هذه الفرصة وكان لديهن فضول لمعرفة المزيد عن مؤسسة الأطلس الكبير التي اختارت إجراء الورشة لهن. نحن جاهزات ومتحمسات ويمكنني أن أضمن لكما أن جميع النساء ستعيركما اهتمامهن الكامل خلال الأيام الأربعة القادمة”
بغض النظر إلى عدد الورشات التي شاركت فيها، إلا أن نساء هاته التعاونية خلقن جواً رائعاً بفضل طاقتهم الإيجابية، ممّا جعل هاته التجربة مفيدة بالنسبة لي أكثر مما كانت بالنسبة لهن وهذا مثير للإعجاب للغاية. خلال هذا التكوين، تعلمت النساء عدة مفاهيم جديدة وصححت بعض سوء الفهم المتعلق بالمواضيع السبعة التي تتناولها الورشة: العواطف والعلاقات والجسد والأحاسيس الجنسية والمال والعمل والروحانيات، وفي نفس الوقت علمني الإصغاء إلى قصصهن الكثيرة كيفية التعامل مع المواقف الصعبة في الحياة
من بين التمارين التي تجرى خلال هذا التكوين، نجد تمريناً يسمّى “تمرين النفق”، حيث تتخيل النساء نفقاً طويلاً يرمز إلى حياتهن، ويتخيّلن أنه نفق علاجي. حين تخطو النساء خطوة إلى الوراء في هذا النفق، غالباً ما تلتقين بأشخاص من الماضي و يساورهن شعور بالاستياء أو الغضب أو الذنب. وهن تتخيلن صور أولئك الأشخاص معهن في نفق العلاج، تحاول النسوة ربط أفكارهم ومشاعرهم للتعبير عنها لذلك الشخص مهما طالت الأمر حتى تصل الفكرة كاملة. هذه إحدى التمارين المفضلة لدي لأنها تتيح حقًا للنساء التحدث عن مخاوفهن والشعور بأن هناك من يستمع إليهن ويشعر بهن. اختارت كل امرأة شريكتها في التمرين كي تفرّغ مشاعر الماضي، وقد كنت مركز الاهتمام لالة خدوج، سيدة في السبعينات من عمرها، التي طلبت أن أكون رفيقتها في هذا التمرين
شعرتُ بالفخر الشديد لأن هذا تمرين شخصي للغاية وهذا يعني أنها وثقت بي حقًا. لقد سبق لي أن قمت بهذا التمرين عدة مرات ولكن فقط مع الأشخاص من نفس شريحتي العمرية، لذلك كانت هذه تجربة جديدة بالنسبة لي أيضًا. أخبرتني لالة خدوج أنه لم يعد لديها ما يدعو للقلق بعد الآن في حياتها. روت الكثير من الأشياء التي حققتها في 70 عامًا من حياتها. قامت بتربية أطفالها مع زوجها وساعدتهم على الوصول إلى أهدافهم. تحدثت عن وفاة زوجها العزيز وأنها تؤمن فعلاً بأنها ستلتقي به مرة أخرى في الجنة بإذن الله. كما أن لالة خدوج سعيدة للغاية بأحفادها الذين تنال منهم الكثير من الحب وتأمل أن تشاركهم نفس الإحساس وبطريقة عادلة.
إن الاستماع إليها والشعور بالطاقة الإيجابية التي كانت تشعها قد أمدني بطاقة إضافية لبقية الورشة، حينها طلبتُ من لالة خدوج نصيحة تفيدني في حياتي، وبدون تردد، قالت لي “لا تضيعي أبدًا فرصة لقضاء الوقت مع أحبائك. سيأتي وقت ستندمين فيه على عدم قضاء الوقت الكافي معهم”. حديثي مع لالة خدوج غير رؤيتي لتمرين النفق، وقد أدركت أن ماهية التمرين لا تكمن فقط في إفراغ مشاعر الماضي والتحرر منها، بل هي أيضًا فرصة للمرأة المستمعة للاستفادة من ما سمعته
انتهى التمرين، لكن حديثي مع لالة خدوج استغرق وقتًا أطول من المتوقع. تحدثت معها عن مخاوفي وربتت على كتفي بهدوء قائلة إن كل شيء يحدث لسبب ما وسيحدث كل شيء في الوقت المناسب
أثناء حديثي مع لالة خدوج. مصدر الصورة: زينب لعضم، جمعية الأطلس الكبير
في اليوم التالي، وخلال تدخلها في محور القوة الشخصية، أوضحت زميلتي زينب لعضم للنساء أننا جميعًا نستمد قوتنا الشخصية من سبعة مصادر: الالتزام والانضباط ونظام الدعم والتوجيه الداخلي و خفة الروح والحب والاهتداء إلى حقيقة الذات.عندما تستخدم هذه المصادر بشكل صحيح، يصبح الأفراد قادرين على النمو بشكل سليم. بعد معرفة مصادر القوة، تقوم النساء بتمرين يسمى ” تمرين الغرف”، حيث يتواصلن مع مصادر القوة السبعة الكامنة بداخل كل واحدة منهن
تجلس النساء في غرفة هادئة وأعينهن مغلقة، وهن يصغين إلى موسيقى هادئة في الخلفية ويتخيلن أنفسهن يمشين في غابة مضاءة بنور الشمس ساطع، حتى يصلن إلى قصر سحري. بعد دخول القصر عبر البوابة الرئيسية، يرون العديد من الأبواب المختلفة، كل منها بلون وشكل مختلف، و تتوقف النساء للحظة لتتأمل القصر من الداخل، حيث يرين سبعة أبواب بعناوين مختلفة، كتب على كل واحد منها عنوان يميزها على بقية الأبواب. يُطلب من النساء فتح الباب والدخول إلى أول غرفة وهي غرفة الالتزام، ويبدأن في استكشافها، وتستمر في حين تستمر المؤطرة في توجيههن : ماذا ترين – ما هي الصور أو الألوان أو الأشكال أو الأشخاص؟ ماذا تسمعين – ما الأصوات أو الكلمات أو الموسيقى؟ بماذا تشعرين – ما المشاعر والأحاسيس؟ تتكرر نفس العملية مع المصادر الأخرى للقوة الشخصية حتى تنتهي رحلة الاكتشاف داخل القصر الخيالي. بعد أن تفتحن أعينهن، يُطلب من النساء ترجمة تلك الصور والأصوات والمشاعر التي مررن بها في رحلتهن داخل غرف القصر السبع، سواء بالتعبير عنها شفوياً أو من خلال رسم ما رأينه على أوراق بيضاء باستعمال الأقلام الملونة
إن النظر إلى تعابير وجه النساء أثناء تخيلهن لرحلتهن عبر القصر الوهمي يخبرني بالكثير عن ارتباطهن بكل مصدر من مصادر القوة الشخصية. يمكن رصد الابتسامات والدموع والعبوس والاسترخاء أثناء انتقالهن من غرفة إلى أخرى. في معظم الحالات، تكون الغرفة المفضلة للسيدات هي غرفة الحب، حيث تتخيلن أحبائهن في أماكنهم المفضلة. بالحديث عن الحب، ما أقدره حقًا عن هؤلاء هاته النساء هو حبهن لأزواجهن. في معظم القرى الريفية التي نقيم فيها أوراش التمكين الذاتي، تخبرنا النساء أنهن تزوجن بطريقة تقليدية وأنه يتعين عليهن تحمل تقلبات العلاقة الزوجية من أجل أطفالهن. لكن هذا ليس هو الحال مع نساء بني بوفراح، فقد أظهر الاستماع إليهن وهن تتحدثن عن أزواجهن مدى حبهن ورعايتهن لهم
يتمحور التمرين التالي حول العمل والمال حيث تقوم النساء بوصف رؤيتهن المثالية للعمل، وانقسمن إلى فريقي عمل. من أجل التمكين الاقتصادي، تعتقد المجموعة الأولى أنهن بحاجة إلى نادي نسوي لتعلّم الخياطة التقليدية والعصرية، في حين يرى الفريق الثاني أنهن بحاجة إلى تعاونية زراعية و سياحية تمكن النساء من إعداد وجبات للسائحين باستخدام الطعام المنتج محليًا. انغمست النساء في التمرين وبدأن في رسم رؤيتهن المثالية للعمل
تصور العمل المثالي لمجموعة الخياطة. مصدر الصورة: حورية شوهب// جمعية الأطلس الكبير
مكّنني قضاء أربعة أيام مع هؤلاء النساء الطموحات على المستوى الشخصي وجعلني أشعر بالفخر للانضمام إلى زميلتي في ورشة العمل هذه
إلى ورشة التمكين الذاتية للمرأة التالية وابقوا متابعين